التفاوض الجدّي حول الحكومة رقم 77 لم ينطلق بعد !
حمل التفاؤل السياسي والتدخل الغربي البعض للحديث عن تسجيل الحكومة المقبلة رقماً قياسياً كأسرع حكومة تتشكّل في لبنان منذ العام 2005 حتى اليوم، ولكن هذا الأمر قد يكون صعباً كون الحكومة الثانية بعد الخروج السوري من لبنان برئاسة فؤاد السنيورة استغرق تشكيلها 19 يوما فقط، وهذا الرقم لن يكون سهلاً على أي رئيس حكومة مكلّف أن يكسره. فأين أصبحت المفاوضات الحكومية اليوم؟
تتميّز الحكومة رقم 77 المقبلة بعلانية التدخلات الدولية في عملية تشكيلها، فهذه المرة لم تختبىء الأطراف الدولية خلف الجهات السياسية الداخلية لتمرير الرسائل، بل قرّرت أن تكون في الواجهة، الأمر الذي قد يسرّع عملية التشكيل، كون المفاوضات بين الوكلاء لا تكون بنفس فعالية التفاوض بين الأصيلين. ولكن رغم ذلك، فإن الكثير مما يُقال حول المفاوضات الحكومية لا يعبّر عن حقيقة الحال، فالتفاوض لم يصل الى مرحلة الأسماء بعد، وفرنسا لم تتدخّل بإسم رئيس الحكومة، بل بشكلها وجدول أعمالها، وبالتالي لا تزال المفاوضات في بداياتها.
تكشف مصادر سياسية مطّلعة أن المواقف المحلية للقوى السياسية اليوم لا تختلف إطلاقا عما كانت عليه قبل تشكيل حكومة حسان دياب، فالتيار الوطني الحر أبلغ الرئيس نبيه بري أنه لن يكون حجر عثرة أمام عملية التأليف، حتى ولو تطلّب الأمر عدم مشاركته بالحكومة، الأمر الذي يصرّ عليه بري الراغب بأن تعبّر الحكومة المقبلة عن كل القوى السياسية الأساسية بالبلد، خصوصا أن المطلوب منها وجهته إقتصادية بحت، حيث ستدخل فرنسا كوسيط بينها وبين صندوق النقد الدولي، وستكون راعية لبنان في هذه المفاوضات، التي ستعود لتنطلق مجددا في بداية شهر أيلول المقبل بحال كانت الحكومة قد تشكّلت، وسيكون للمسار السياسي طريقه المختلف عن عمل الحكومة.
بالنسبة الى حزب الله، فتؤكد المصادر أن الحزب لم يعرقل تشكيل حكومة يوما، ولكنه يرفض التعاطي معه بغير طريقة التعاطي مع باقي المكونات السياسية، بمعنى أن الشروط التي تسري على الجميع تسري عليه، كاشفة أن حزب الله جدّد رفضه لأي شروط على مشاركته، مشددة على أنه هو بنتيجة الحال سيتخذ القرار الأنسب بشأن شكل المشاركة وأسماء الوزراء الذين يسميهم. وتضيف المصادر: “خلال زيارة الرئيس الفرنسي الى لبنان ولقائه القوى السياسية في قصر الصنوبر، تحدث ماكرون مع رئيس كتلة الوفاء للمقاومة محمد رعد، وسأله الأخير عن “وجود شروط أميركية أو أوروبية معيّنة بشأن المرحلة المقبلة التي تقودها فرنسا”، فكان جواب ماكرون بأن لا شروط على الإطلاق. ومن هنا سقطت حكومة حسان دياب سريعا وبدأ التفكير بالحكومة التي تليها، والتي حسم حزب الله أمر مشاركته فيها عبر أسماء لن تختلف بمضمونها عن الأسماء التي شاركت بحكومة دياب.
فيما يعني سعد الحريري، فهو لا يزال كما ذكرنا سابقاً بانتظار الضوء الأخضر السعودي، الذي لم يأت بعد، وفي هذا السياق تكشف المصادر أن الحريري لن يترأس الحكومة ولو قُدمت إليه كل التسهيلات المحلية، بحال لم تُعط له الموافقة السعودية، مشيرة الى أن كل الكلام الذي يسبق هذه الموافقة هو غير دقيق.
خلال 48 ساعة ستكون الصورة قد أصبحت أكثر وضوحا بما يخص المواقف الدولية، وتحديدا الأميركية، فإذا كان الموقف الأميركي متوافقا مع الفرنسي، فإن الحكومة ستُبصر النور قريبا، والعكس تماما، وعليه فإن التفاوض الجدي لم ينطلق بعد بانتظار اكتمال الصورة.
محمد علوش